*العدو «يصغّر» أهداف الحرب: خلافات حول الخيار البرّي* فلسطين *أحمد العبد* الثلاثاء 17 تشرين الأول 2023 رسائل أميركية إلى

*العدو «يصغّر» أهداف الحرب: خلافات حول الخيار البرّي*

فلسطين
*أحمد العبد*
الثلاثاء 17 تشرين الأول 2023

رسائل أميركية إلى تل أبيب طالبتها بعدم توسيع الصراع إلى حرب إقليمية (أ ف ب)

رام الله | عشرة أيام من العدوان على غزة، وإسرائيل تقلّب رأيها يميناً ويساراً، بشأن بدء العملية البرّية في القطاع، في ظلّ ظهور تحذيرات من مغبّتها. وإذ يشير تأخرها حتى الآن إلى تعمّق الخلاف داخل ائتلاف بنيامين نتنياهو، على الرغم من تشكيل «حكومة طوارئ»، فإن حشد إسرائيل لعتادها البرّي وأكثر من 350 ألف جندي على حدود غزة هو أسهل ما يمكن أن تقوم به، بينما لا تملك أيّ إجابات حول كيف ستجري العملية، ومدّتها الزمنية، وكفاءة الجيش في خوض حرب المدن، والخطّة المفترض وضعها لليوم التالي، وخصوصاً لناحية إدارة القطاع. هكذا، تذرّعت الدولة النووية، صاحبة «الجيش الذي لا يُقهر» كما تزعم، بالظروف الجوية لإرجاء عمليتها البرّية التي كان من المفترض أن تبدأ نهاية الأسبوع، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في حين تدّعي المؤسسة العسكرية أنها تواصل إجلاء مستوطني الغلاف، وتمشيط مستوطناتها للتأكد من خلوّها من أي مقاومين، قبل البدء بالهجوم.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال العملية البرية مطروحة على طاولة حكومة الاحتلال، وخصوصاً أن نتنياهو يريد تأجيل محاكمته أكبر قدر ممكن، وكسب أيّ وقت قبل فتح تحقيق في ما جرى في معركة «طوفان الأقصى» والإخفاق السياسي والعسكري الذي رافقها، ما قد يجعله يغامر بالذهاب إلى هجوم برّي، يبدو محفوفاً بتحدّيات كثيرة أخرى ومنها الجبهة الشمالية، التي تعمّق الخلاف بين المسؤولين. وكانت التحذيرات داخل الأوساط الإسرائيلية ذات الخبرة العسكرية قد ارتفعت من مغبة الإقدام على عملية برية، كون ذلك سيكبّد جيش الاحتلال خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وسيتسبّب بمجازر مروّعة بحق المدنيين. وتتعزّز هذه الخلافات في ظلّ عدم الثقة بكفاءة الجيش والجهاز الاستخباري، الذي لم يستطع معرفة ولو معلومة واحدة عن استعداد «حماس» على مدى شهور لتنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، فكيف يمكنه معرفة المفاجآت التي تنتظر الجيش، في غزة؟

في السياق، قالت وسائل إعلام عبرية إنه على الرغم من المصادقة على الدخول البري إلى القطاع، نشبت خلافات كبيرة في «الكابينت» بشأن عمق هذا الدخول، في حين برز خلاف آخر بين نتنياهو ووزير أمنه، يوآف غالانت، حول مطلب الأخير «توسيع ساحات الحرب» لتشمل «حزب الله»، وهو ما يؤيّده عدة وزراء ويعارضه رئيس الحكومة. وبحسب صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، فإن الخلافات بين المستويين العسكري والسياسي برزت أكثر من مرة خلال الأسبوع الماضي؛ إذ بينما ورد في إعلان الحكومة الأول أن الهدف من الحرب هو تقويض القدرات العسكرية والحكومية لـ«حماس»، الأمر الذي أكدته أيضاً تصريحات رئيس مجلس «الأمن القومي»، تساحي هنغبي، يَظهر من صيغة إعلان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن الهدف أكثر محدودية وهو «هزيمة حماس والقضاء على جميع المسؤولين الكبار الذين شاركوا في الأحداث القاتلة التي وقعت يوم السبت».

تزداد التعقيدات المحيطة بالعملية البرية، وأولها عدم رغبة واشنطن في فتح جبهة جديدة وتحديداً مع «حزب الله»

وفي لقاء عبر «القناة 12»، قال رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق في الجيش الإسرائيلي، عاموس يادلين، مساء الأحد، إن «الولايات المتحدث ترفض فتح جبهة مع حزب الله، ولا تريد توسيع المواجهة إلى عدّة جبهات»، بينما حذّر رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، من تنفيذ العملية البرية، قائلاً إن ما ينتظر الجنود الإسرائيليين هو «كلّ ما يمكن تخيّله وما هو أسوأ»، مضيفاً: «لن يكون الأمر بسيطاً، ولن يكون ممتعاً لنا أو لهم». بدوره، نصح الرئيس الأسبق لـ«الموساد»، أفرايم هليفي، المسؤولين العسكريين والسياسيين، بـ«ترك أسلوب التبجّح والتهديدات الفارغة والامتناع عن الاجتياح بشكل كثيف وشرس». وأكّد أن «من يتحدث عن سحق حماس، لا يعرف عمّا يتكلم. حماس تنظيم كبير وقوي ولديه عزم وإصرار»، مشيراً إلى أن «قوامه (التنظيم) نحو 150 ألف عنصر، بينهم عشرات الآلاف من المقاتلين المدرّبين بشكل مهني. وفي قيادته مجموعة لا بأس بها من الأفذاذ، الذين لا أحبّهم وكلّي غضب عليهم، ولكنني أعترف بأنهم ذوو قدرات عالية في القيادة وأذكياء واستراتيجيون. وأقترح على مَن اعتاد الاستخفاف بهم أن يكفّ عن ذلك. وهم ليسوا تنظيماً سياسياً وعسكرياً فحسب، بل فكر وقناعات». وأضاف: «إذا قضيتَ على قيادتهم وحتى على تنظيمهم كلّه، وهذا غير واقعي، فإنك لا تستطيع القضاء على فكرهم. وسينبزون لك من تحت أرض ما في وقت ما. لذلك يجب أن نضع أهدافنا بشكل واقعي وأقدامنا على الأرض». وتابع هليفي: «من الناحية العسكرية، ما حدث هو خطأ، إخفاق كبير، ولكن بمقدورنا إصلاحه. وبالتأكيد يجب ضرب حماس، ولكن لا حاجة إلى وضع هدف غير واقعي بالقضاء عليها. ويجب التفاوض معها والتوصل إلى تفاهمات وفقاً لخدمة مصالحنا الوطنية».

كذلك، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن وزيرَي الدفاع والخارجية الأميركيين، لويد أوستن وأنتوني بلينكن، نقلا رسائل من الإدارة الأميركية إلى الحكومة الإسرائيلية، طالبتها بعدم توسيع الصراع إلى حرب إقليمية، منبّهةً إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبة في دعم عملية عسكرية إسرائيلية في غزة، تكون مقرونة باستهداف شامل للمدنيين وبتشكيل خطر على السيادة المصرية، كون الإدارة الأميركية لا تريد إضعاف الأنظمة العربية الحليفة لها، وبينها مصر والأردن والإمارات والسعودية.
هكذا، تزداد التعقيدات المحيطة بمناخات العملية البرية، وأوّلها عدم رغبة الولايات المتحدة في فتح جبهة جديدة، وتحديداً مع «حزب الله»، وهو ما قد يحدث إذا ما انطلقت عملية من هذا النوع - بحسب تقديرات المراقبين وقراءتهم للرسائل التي يبعث بها الحزب من الجنوب اللبناني -، وصولاً ربما إلى انفجار أوسع في الإقليم، مع احتمالية مشاركة لاعبين آخرين في المنطقة. وفي هذا السياق، حذّر رئيس الموساد الأسبق، داني يتوم، الذي كان قد دعا إلى تدمير مستشفى «الشفاء» في غزة وإطلاق المزيد من القنابل حتى تصل إلى أعماق الأرض، من مغبّة تجاهل الجبهة الشمالية، قائلاً إن «حماس تجهّز لنا مصيدة استراتيجية، حيث سُتفتح الجبهة الشمالية في حال الدخول إلى غزة».

مهما يكن، تدرك حكومة الاحتلال التي حظيت بدعم دولي كبير لعدوانها على غزة، أن ذلك لن يدوم، وخصوصاً في ظلّ خروج تظاهرات حاشدة حول العالم مندّدة بالعدوان، الذي إذا ما توسّع إلى اجتياح بري، فإن مناهضته ستصل إلى مستويات غير مسبوقة وستخلق ضغطاً على الحكومات. كما أن حلفاء المقاومة الفلسطينية لن يتركوا غزة وحدها، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بقوله إن بلاده نقلت رسالة إلى المسؤولين الإسرائيليين عبر داعميهم بأنه «إذا لم توقف إسرائيل جرائم الحرب والإبادة الجماعية فلا يمكن لإيران أن تقف موقف المتفرّج».
المصدر : admin
المرسل : Sada Wilaya